الرئيسية / بقلم المشرف / تحاوروا تصحوا

تحاوروا تصحوا

لم أكن أتحاور مع زوجتي كثيرًا، ولم أكن أدرك أهمية الحوار بصورة حقيقية حتى وصلنا إلى مرحلة صعبة للغاية في علاقتنا سوية…

كنت أشعر أنها لا تفهمني جيدًا ولا تستوعب ما أقوله، وهي كانت تشعر أنها غريبة في بلاد غريبة، تتكلم مع نفسها أحيانًا كثيرة؛ فالطرف الآخر لا يسمعها فضلًا عن أن يفهمها ويستوعب ما تقوله ويشعر به.

لم أكن أدرك أن الحوار له هذا السحر العجيب بين الزوجين إلا بعد أن جربت تأثيره ورأيت أثره في علاقتي بزوجتي

(إن تبادل الحوار بين الزوجين يعد من أقصر الطرق إلى قلبيهما، فالكلمات البسيطة تشعر الطرف الآخر بأنه موضع اهتمام، وتمنع تسرب الملل، كما قد تكشف كلمة عابرة من أحد الطرفين أن مشكلة ما تؤرقه ويحتاج إلى من يعينه على حلها، إنه باختصار المقياس الأهم في تحديد مستوى العلاقة بين الزوجين، فوجود الحوار، مهما كان بسيطًا، يساعد على وجود إحساس بالدفء والترابط والحنان في الحياة الزوجية) [الحوار بين الزوجين، جاسم المطوع]

والحقيقة أنه بعد فترة من الحوار الزوجي صرت أتعجب كثيرًا من شكوى بعض الأزواج والزوجات من ضعف التواصل بينهما وتكرار كلمات من عينة: لا تفهمني، لا يشعر بي، لا تتجاوب مع أفكاري، لا يستجيب لرغباتي … وغيرها من الكلمات التي تدل على ضعف في العلاقة بين الزوجين.

إن الزوج والزوجة كلاهما نتاج تربيات مختلفة وبيئات متعددة وثقافات قد تكون في بعض الأحيان متطاحنة متصارعة، ومن ثم فإن الحوار بينهما يكشف لكل طرف عما بداخل الطرف الآخر، ويفصح عن مكنوناته ويوضح الفروقات بينهما في التصورات العامة عن الحياة والتصورات عن العلاقات الزوجية الصحيحة، والتي للأسف شوهت في العديد من مجتمعاتنا.

لماذا يغيب الحوار؟؟

إن غياب الحوار بين الزوجين ينتج عن (سوء التفاهم أوعند غياب الفهم المتبادل لنفسية وطبيعة الطرف الآخر” الزوج أوالزوجة “؛ فيكون تجاهل الزوج لزوجته ليس عن قصد، ولكن لأنها لا تتحدث إليه ولا تعبر عن أحاسيسها بشكل مباشر)  [حتى يبقى الحب، د. محمد محمد بدري، ص 418].

أحيانًا تكون المشكلة في رؤية الرجل للمرأة أنها كثيرة الكلام لا تمل أبدًا من الحديث، والرجل به ما يكفيه من متاعب العمل والحياة، إنه لا يدرك أن كلامها مع العالم بأكمله لا يعادل كلماتها القليلة معه، إن شعورها بالأمان هو الذي يدفعها لأن تتكلم معه في أمور في غاية الخصوصية، ربما لولاه لظلت حبيسة جدران عقلها ولم تفصح عنها قط.

وأحيانًا أخرى تكمن المشكلة في رؤية الزوج لأهمية الحوار، والطريقة المثلى في التعبير عن الحب، هل هي بالكلمات أم بالأفعال؟

(بمعنى أنه يحب زوجته فلا يرى داعيًا للتعبير عن حبه هذا بالكلمات طالما أنه قد اختارها زوجة دون كل الفتيات، ثم هو يعيش معها فيعمل ويكدح من أجل زوجته وأسرته، ومن أجل ان يوفر لهم الحياة الكريمة، وهولا يرى أي مبرر لهذا الكدح والعمل إلا حبه لزوجته، التي يجب أن تفهم ذلك بدون كلمات منمقة، فما الداعي للكلام إذًا كانت أفعاله كلها تعبر عن الحب والتقدير) [المفاتيح الذهبية في احتواء المشكلات الزوجية، نبيل بن محمد محمود، ص 268].

لماذا يفشل الحوار؟؟

وقد يبدأ الزوجان الحوار ثم ينتهي بعد دقائق من بدايته بشجار أو خلاف وعبارات من أمثال: لن تفهمني أبدًا … لا أفهم ماذا تريدين؟ … أنت أصلًا لا تسمعني …أنتِ لا تعطيني فرصة للحديث … وغيرها من العبارات التي تقصف الحوار بصواريخ أرض جو تدمره في لحظات.

ولذا ففهم الاختلاف الجذري بين طبيعة الرجل في التعامل مع المعلومات وطبيعة المرأة يعطي تصورًا عن أسباب فشل الحوارات الزوجية في كثير من الأحيان.

(إن الرجال والنساء يعالجون المعلومات بطريقة مختلفة جدًّا، فالنساء يفكرن بصوت مرتفع، فكثيرًا ما تكتشف المرأة ما تريد أن تقوله من خلال عملية التحدث فقط وعملية السماح للأفكار بالتدفق بحرية والتعبير عنها بصوت مسموع، لكن الرجال يعالجون المعلومات بطريقة مختلفة جدًّا، إنهم قبل أن يتكلموا أو يجيبوا يقلبون الأمر بصمت أولًا أو يفكرون فيما سمعوه، ويقومون داخليًّا وبصمت بتخمين الجواب الأصح أو الأكثر نفعًا، هذه العملية قد تستغرق دقائق إلى ساعات.

ولجعل الأمور اكثر ارباكًا للنساء، فإنه إذا لم يكن لديه معلومات كافية لمعالجة الجواب، فلربما لا يستجيب الرجل بتاتًا.

والنساء يحتجن إلى أن يفهمن أنه حينما يكون الرجل صامتًا فإنه يقول: لا أدري بعد ما أقول، لكني أفكر في الأمر، إن ما يسمعه بدلًا من هذا هو: أنا لا أجيبك لأنني لا أهتم بك وسأتجاهلك، إن ما قلته لي غير مهم ولهذا أنا لا أستجيب ) [الرجال من المريخ ، النساء من الزهرة، د. جون غراي، ص(98)].

نصائح لحوار جيد

ويقدم الدكتور جاسم المطوع بعض النصائح لحوار صحي بين الزوجين فيقول:

ينبغي على الزوجين عند الحوار مراعاة أمور عدة كالتالي:

  • تذكر النية الصالحة في الحوار وعدم تحويله إلى جدال، فلا ندخل الحوارات على أنها معارك يجب أن ننتصر فيها ونفحم من أمامنا، بل يجب أن نفيد ونستفيد، وإلا فعلى الحوار السلام.
  • عدم تواجد طرف ثالث أيًّا كان، وعلى الزوجين أن يبقيا دواخل حياتهما سرًّا لا يطلع عليه أحد حتى أقرب المقربين.
  • اعتماد قاعدة: “اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية”، قد نختلف نعم، لكننا نختلف لأننا نريد مصلحة الأسرة، وما دام في الأمر مصلحة فالود واجب على رغم الاختلاف، ولو استطعنا تأصيل قاعدة: ” اختلاف الرأي يزيد الود”.
  • الصراحة التامة شرط أساسي في العلاقة بين الزوجين في كل حياتهما وفي الحوار بينهما بشكل خاص.
  • الإصغاء ثم الإصغاء ثم الإصغاء، إن المتحدث المقنع هو المصغي الجيد.
  • الهدوء وخفض الصوت ضروريان.
  • الحفاظ على الابتسامة تملأ المحيّا.
  • استخدام طريقة النقاش والحوار والإقناع لا طريقة إلقاء الأوامر.
  • بدء الحوار بالحديث حول النقاط المتفق عليها وليس النقاط المختلف فيها، فهذا أدعى لهدوء النفس وسكينتها.
  • حسن العرض: إذا عرضت فأحسن العرض، وإذا طلبت فأحسن الطلب، وابتعد عن التركيز على العيوب والنقائص، أو الانتقاد المباشر الحاد.
  • إياك والمقاطعة أو السخرية أو الاستهزاء أو استخدام عبارات الشتم واللوم أثناء الحديث.
  • من الأفضل إذا أخطأت أن تُسلم بخطئك حتى لا تستمر في الدفاع عن الخطأ، والتسليم بالخطأ يجعلك لا تفقد مصداقيتك أمام مستمعيك ويجعلك تستعيد قيمتك وبشكل أكبر.
  • عندما يتحول الحوار إلى شجار فمن الأفضل إنهاؤه والاتفاق على موعد لاحق للمناقشة، وإذا لم يفلح إنهاء الحوار على أحد الطرفين أو كليهما أن يبتعد عن مكان النقاش حتى تهدأ الأمور.
  • عند معاودة الحوار حبذا لو بدأ الطرفان بحديث هادئ ينم عن الرغبة في الاتفاق وعدم تكرار ما حدث، ولا مانع أبدًا من أن يقوم كل طرف بتقبيل رأس الآخر. [الحوار بين الزوجين، جاسم المطوع]

وفي النهاية

تحاوروا وتناقشوا في كل تفاصيل حياتكم الزوجية

إن الكثير من المشكلات تنتهي بمجرد الحديث عنها

والكثير من الأزمات العاطفية يكون سببها هو الصمت والكتمان

فتحاوروا كلما استطعتم فخلف الكلمات تكمن سعادة لا تتصوروها

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*