الرئيسية / بقلم المشرف / متفقين ومختلفين ومشتركين

متفقين ومختلفين ومشتركين

الحياة الزوجية هي حياة فريق شبيه إلى حد ما بفريق كرة القدم، لا يكون هذا الفريق ناجحًا إلا إذا كان أفراده يسعون نحو هدف واحد مشترك، فلو أصاب الفريق هدفه ولم يتطلع نحو إصابة هدف جديد؛ فهنا يغيب القاسم المشترك، ويبدأ خطر الخسارة والانهيار يهدد الفريق نظرًا لاختلاف تصورات أفراد الفريق بشأن إصابة الهدف المنشود.

إن وجود هدف مشترك هو شرط أساسي لبناء علاقة زوجية ناجحة، ومن ناحية أخرى، فإن عدم تحديد أي هدف مشترك لا يؤدي لأي نجاح يذكر

الكلام السابق يعبر بصورة كبيرة عن أحد أهم أسباب المشاكل الزوجية في العالم العربي، وهو غياب الرؤية المشتركة بين الزوجين، ويعبر أيضًا عن أهم أسباب قوة العلاقة بيني وبين زوجتي في مختلف مراحل زواجنا وهو: رؤيتنا المشتركة لكثير من مجالات الحياة.

ماذا تعني الرؤية المشتركة؟

كلمة رؤية مشتركة تختلف تمامًا عن كلمة رؤية متطابقة أو متوحدة؛ لأن الاشتراك لا يعني التطابق، بل الأصل في الاشتراك أنه بين طرفين مختلفين، وهذا بالظبط ما أعنيه من كلمة رؤية مشتركة، أن هناك طرفان مختلفان في الكثير من الأمور ومشتركان في بعض الأمور، وهذا التوازن الدقيق بين ما نحن مختلفين فيه وما نحن مشتركين فيه هو ما يجعلنا وأظنه هو ما يجعل حياة أي زوجين معًا ليست فقط ممكنة، وإنما أيضًا رائعة.

لا لمص الدم:

وكما أعتقد أن وجود مساحات مشتركة في قضايا جوهرية هو ركن من أركان أي زواج سعيد، فأنا أعتقد أيضًا أن وجود مساحة من الاختلاف في وجهات النظر بين الزوج والزوجة، وسعي كل طرف نحو الاستقلالية النسبية أمر في غاية الأهمية؛ لأن محاولة أحد الطرفين أن يسيطر على العلاقة ويجعل نفسه المصدر الوحيد لجميع احتياجات الطرف الآخر هي محاولة ناجحة لبناء علاقة فاشلة بامتياز، يمكن أن نطلق عليها علاقة (مص الدم).

و”مص الدم” هي علاقة يكون فيها أحد الطرفين مصدر كل شيء بالنسبة للطرف التانى، أو بالأحرى أحد الطرفين يجعل الطرف الثاني هو المصدر الوحيد لكل احتياجاته، هو المصدر الوحيد للحب، هو المصدر الوحيد للأمان، هو المصدر الوحيد للحياة….

ومشكلة هذه العلاقة أنها علاقة مؤذية نفسية لأبعد الحدود، خاصة عند حدوث المشاكل والاضطرابات بين الطرفين، وهي أكيدة الحدوث في الحياة الزوجية.

ذكاء التوازن:

والحل يكمن في التوازن بين ما هو مشترك وما هو مختلف…

بين مساحات الاتفاق التي تبني استقرارًا وديمومة للعلاقة الزوجية، وبين مساحات الاختلاف الضرورية لبناء الاستقلالية الذاتية لكل طرف.

ولا أعرف قاعدة تحدد أي المساحتين ينبغي أن تكون الأكبر أو الأصغر، ولكن ما أتيقن منه هو ضرورة وجود المساحتين، والباقي يترك للزوجين لتحديده.

وقد يرى البعض أن من المنطقي أن تكون مساحات الاتفاق أكبر من مساحات الاختلاف.

وفي رأيي أن هذا التعميم قد لا يكون دقيقا، فالعبرة ليست في الكم ولكن في الكيف…

فالاتفاق على نوعية معينة من الأمور التي يمكن تسميتها بالأذواق البشرية؛ مثل طريقة اللبس وحب أو بغض بعض الأكلات أو الشخصيات أو الانتماء للفرق الرياضية، لا يتساوى بالمرة بالاتفاق على أمور أخرى مثل التصورات الكلية للحياة والوجود ورؤية كل طرف لصورة العلاقة الصحيحة بالطرف الآخر.

لأن الاختلاف على الأذواق البشرية على الرغم من كثرته ووضوحه وفي بعض الأحيان إزعاجه لطرفي العلاقة؛ قد يصيب العلاقة ببعض الكدر والتوتر، ولكنه لا يهدم العلاقة إن كانت بحق علاقة قوية وعميقة.

أما الاختلاف على الرؤى والتصورات الكلية، فهو وإن كان أقل ضوضاء وظهورًا على السطح إلا أنه كالسرطان بالنسبة للعلاقة الزوجية، والذي تظهر أعراضه بصور مختلفة وأنماط متعددة، وقد يصل إلى مرحلة يستحيل معها العلاج.

الخلاصة:

  1. تحديد القضايا الجوهرية التي ينبغي الاتفاق عليها بينك وبين زوجتك يؤثر بصورة إيجابية كبيرة على علاقتكما.
  2. الحديث المتكرر حول تلك القضايا وطرح الأسئلة التفسيرية حول أهميتها لك ولزوجتك سيجعل كلاكما مستشعرا لأهمية تلك القضايا لدى الطرف الآخر عقليًّا ونفسيًّا وعاطفيًّا، وسيجنبكم الكثير من المشاكل حولها.
  3. المرحلة الأولى بينك وبين زوجتك في إيجاد الرؤية المشتركة تبدأ باعتقادكما بحتمية وجود مساحة من الاختلاف بينكما ووجوب التعامل معها بصورة صحيحة.
  4. المرحلة الأعمق تأتي بعد ذلك وتكون بإيمانكما المشترك أن جزءًا كبيرًا من جمال العلاقة بينكما سببه الاختلاف الكبير بين طبيعة شخصيتك وطبيعة شخصيتها، وأن الطريقة المثلى في التعامل مع الاختلافات ليست باعتبارها واقعًا مفروضًا عليكما ينبغي التعامل معه؛ وإنما باعتبارها فرصة لإضافة مزيد من الجمال والرونق على العلاقة بينكما.
  5. اكتشاف نقاط الاختلاف والاتفاق لا يأت إلا بالحوار الجاد بينك وبينها، ولا مجال هنا للتخمين أو الاستنتاجات التي يقوم بها طرف دون الرجوع إلى الطرف الآخر.
  6. بناء الاستقلالية الذاتية لنفسك ولزوجتك سيكون صعبًا في بدايات الزواج، خاصة مع تأثر الرجال عمومًا في الوطن العربي ببعض التصورات القديمة عن معنى الرجولة والقوامة، وغيرها من المصطلحات التي يتأثر الرجال كثيرًا بالمفهوم الخاطئ عنها، ولكن بعد فترة سيزداد الرجل يقينًا أن استقلالية الزوجة لن تجعلها عنيدة ومتمردة، وإنما قوية ومسئولة، وأن استقلالية الزوج لن تجعله منفلتًا خارج نطاق السيطرة باحثًا عن التعدد، وإنما يجعله متجددًا حيويًّا مسئولًا بحق عن علاقته بزوجته وأسرته.

وأخيرًا..

من الضروري أن تتشابه شخصية الزوج مع زوجته في بعض الأشياء، ولكن ليس من الضروري أن يكونا نسختين متطابقتين ليستطيعا العيش سويًّا.

وتذكروا دائما مقولة الرائع أحمد خالد  توفيق: (ربما كان خطأ فادحًا أن تتزوج نسخة منك،  لأنك قد لا تحتمل الحياة مع نفسك).

المصادر:

بلوغ النجاح في الحياة الزوجية…كلاوديا إنكلمان

أنا ومراتي…..محمد محرم

من وحي العلاج النفسي…. د.محمد طه

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*